في عددها الصادر يوم الجمعة 29 محرم 1367 هـ الموافق 13 ديسمبر 1947 م، نشرت صحيفة “أم القرى” تقريرًا تاريخيًا يعكس استجابة المملكة العربية السعودية الفورية والغاضبة لقرار تقسيم فلسطين الصادر عن هيئة الأمم المتحدة. تحركت المملكة بقيادة ولي العهد وأمرائها وأميراتها لدعم فلسطين من خلال التبرعات والتطوع، مع تأكيد ولي العهد على التزام المملكة بإنقاذ فلسطين بأموالها وأنفسها. تضمن التقرير تفاصيل حول تشكيل لجان التبرع والتطوع وتضامن الشعب السعودي مع القضية الفلسطينية.
————————————————————————————————————————–
المملكة العربية السعودية
تتحرك لإنقاذ فلسطين
اهل الجزيرة الأعظم يقود حركة الإنقاذ
ولي العهد المعظم يترأس لجان التبرع والتطوع
تضامن امراء واميرات البيت السعودي مع الشعب
فتوى رئيس القضاة بوجوب الجهاد الديني
ما كاد الناس في هذه المملكة يسمعون نبأ القرار الصادر من هيئة الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية ودولة عربية حتى تحركوا حركة عامة هائجين مائجين غضبا لفلسطين من هذا القرار الظالم الغاشم الذى يعطى قسما منها لليهود مطالبين بأن تبقى موحدة عربية مستقلة على ما كانت عليه منذ عهد الخلفاء الراشدين ، ولقد توالت من كافة أرجاء هذه المملكة الصرخات وارتفعت الصيحات من سائر أنحائها منادية بوجوب الجهاد ومواصلة الجلاد من أجل إنقاذ البلاد المقدسة فلسطين أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وتتابعت البرقيات من الرؤساء والزعماء والأمراء والعلماء وكافة الطبقات الى جلالة العاهل الأعظم يعرضون عليه فيها استعدادهم لبذل أموالهم وأرواحهم تحت لواء جلالته للمنصور لنجدة فلسطين وانقاذها . ولقد كان من ذلك أن اجتمع مجلس الشورى بكامل هيئته بين يدي سمو ولي العهد المعظم في القصر الملكي العالى وعرضوا على سموه هياج الشعب واستعداده لبذل النفس والنفيس تحت اللواء السعودي المظفر لانقاذ فلسطين التي يهدد خطرها إذا نفذ فيها قرار التقسيم لا سمح الله البلاد العربية كافة وهذه البلاد خاصة في دينها ودنياها وفي حاضرها ومستقبلها ، وأن الشعب لا يملك الصبر ولا يطيق الوقوف مكتوف اليدين تجاه هذا الحادث الجلل فأجابهم سموه حفظه الله بما يلى : –
خطاب سمو ولي العهد المعظم
اننا مهتمون بقضية فلسطين أكثر من كل أحد ونحن جادون في انقاذها بحكمة بالغة وهمة نادرة وقد تعودنا العمل في صمت وأن تكون أعمالنا أكثر من أقوالنا كما تشهد بذلك سيرتنا متأسين في هذه الخطة بالسلف الصالح وبمقتضى قوله تعالى : « يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون» )الآية .
وأؤكد لكم أننا لا نود أن نكلف أحداً من سكان هذه البلاد المقدسة بشيء واننا مستعدون لانقاذ فلسطين بأموالنا وأنفسنا متكلين على الله الذي نستمد العون منه وحده.
فشكر المجلس لسموه هذه العواطف السامية وكرر إلحاحه على سموه بسرعة تعيين اللجان للتبرع الشعب بالمال لنجدة عرب فلسطين وحينئذ أجاب سموه حفظه الله رجال المجلس بانه بعد الحاحهم هذا سيرفع طلب الشعب لجلالة والده وقد رفع سموه لجلالته ذلك فوافق جلالته عليه وشكر شعور الشعب والمجلس وتفضل سمو ولي العهد المعظم برئاسته العليا لكافة لجان المملكة وأمر بأن يكون أخوه سمو الأمير فيصل نائبه على عامة اللجان وأن يكون أخوه سمو الأمير محمد رئيساً للجنة الرياض وأن يكون أخوه الأمير منصور رئيس اللجنة المركزية وأن يكون الأمير عبد الله الفيصل معاونا له وأن تكون رئاسة لجان المقاطعات والملحقات لأمرائه.
وقد أمر سمو ولي العهد المعظم مجلس الشورى بانتخاب أعضاء اللجنة المركزية مع وضع خطة العمل اللازم فاجتمعوا وأجروا ما ذكر ورفعوا قرارهم به إلى سموه. فأصدر أمره العالي بالموافقة عليه وأبلغ الأمر إلى رجال اللجنة كما أبلغت خطة العمل الى كافة أمراء المقاطعات والملحقات، وبدأ الجميع أعمالهم بجد ونشاط.
وقد علمنا أن الذي اجتمع من التبرعات حتى كتابة هذه الأسطر في جدة لدى لجنتها برئاسة سعادة القائم مقام الشيخ عبدالله السديري بلغ حتى الان ۸۸۰۰۰۰ ریال هذا ولا يزال باب الاكتتاب بالتبرعات مفتوحا والمسابقة في ميدانه مستمرة بحماسة وإقبال وسنوا في القراء بما يكون فيما بعد إن شاء الله .
أما في الرياض فقد شكلت لجنة برئاسة حضرة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبد العزيز و بدأت العمل بافتتاح مكتب لقيد أسماء المتطوعين المجاهدين واكتتابات المتبرعين وقد بلغ عدد الذين قيدوا أسماءهم للتطوع في الجهاد الفين في خلال يومين متتاليين وكان الاقبال على التطوع والتبرع في الرياض بحماسة وإقبال عظيمين جداً حتى ان اللجنة طلبت زيادة الكتبة لانهيال الناس وتهافتهم على التطوع والتبرع ولقد كان أبرز ما حدث في هذا الميدان الشريف بالرياض أن صاحبات السمو الأميرات البيت السعودي المجيد بعن خليهن وتبرعن بقيمتها المساعدة فلسطين وأخبرن بذلك سمو الأمير محمد بن عبد العزيز فكان فيهن اسوة حسنة لنساء المملكة اللاتي تبر عن بحليهن .
وقد بلغنا والجريدة ماثلة للطبع أن مجموع التبرعات التي حصلت في الاجتماع الأول بالرياض بلغت مبلغا جسيما وسنوا فى القراء به حينما يصلنا ان شاء الله . وقد تبرع سمو الامير عبد الله الفيصل : ۱۰۰۰۰۰ ريال كما تبرعت عائلة سموه الكريمة بـ 10000 ريال وتبرع كل من عبد الله السعدون ومحمد بن عبد العزيز بن تركي من رجال معية سمو ولى العهد المعظم 10000 ريال كما تبرع صاحبات السمو اميرات البيت السعودي المجيد : 50000 ريال و بذلك يكون مجموع ما بلغنا من تبرعات سكان هذه المملكة حتى الآن 2391041 ريال ولا ريب أن اجتماع هذا المبلغ العظيم في هذه المدة الوجيزة مما يبشر بالخير ويدل على حسن النتيجة ان شاء الله.
وكما قيل «أول الغيث قطر ثم ينهمر » . وصفوة القول أن المملكة من أقصاها إلى أقصاها أصبحت كلها متحركة حركة مستمرة للتطوع بالنفس والتبرع بالأموال المساعدة وقد بلغت الحماسة فى الشعب أشدها واشترك في ذلك الذكور والإناث ، الكبار والصغار، والشيوخ والشبان الأغنياء والفقراء، وسائر الطبقات. والجميع يعقدون غيرة وحماسة يتدفقون مروءة وشهامة ولقد حدثت في جلسات الاكتتاب في محلات العاصمة طرف نادرة فى الأريحية والشهامة تستحق التسجيل بمداد الفخر باصحابها والشكر لاريحيتهم كما القيت في هذه الجلسات خطب وأشعار رائعة حماسية تستفز الشعور وتستثير الهم وتستحق الاعجاب.
ولا يزال وابل التبرعات المالية منهمرا وسيل المتطوعين للجهاد متدفقًا في سبيل إنقاذ فلسطين من براثن اليهود المعتدين تحت قيادة عاهل الجزيرة الأعظم مليكنا المعظم أيده الله تعالى وأمده بنصره وتوفيقه . ولقدر أى الشعب من عواطف جلالته وتأييده ومساعدة سمو ولى عهده ومؤازرة أصحاب السمو الأمراء الكرام ومناصرتهم ما جعل الامة ممتلئة غبطة وسرورا وضاعف نشاطها وتضحيتها و برهن على التضامن في هذه القضية بين الشعب وحكامه تضامنا وثيقا يبشر بخير و يحمل على الاعتقاد بالعاقبة الطيبة والفوز النهائي ان شاء الله كما يعلم ذلك من البرقيات المتبادلة المنشورة في غير هذا المحل . ولقد كان من أعظم الحوافز على المسابقة الى ميادين الجهاد والتضحية في سبيل إنقاذ فلسطين من اليهود – الفتوى الدينية الجليلة التي أصدرها حضرة صاحب السماحة رئيس القضاة العلامة الكبير الشيخ عبد الله بن حسن بن حسين آل الشيخ باعلان الجهاد الديني لإنقاذ فلسطين من عدوان اليهود و يراها القارئ في موضعها من هذا العدد . أخذ الله بأيدى العرب – والمسلمين ونصرهم أجمعين في قضية فلسطين تحت لواء جلالة مليكنا المعظم حفظه الله –