في إحدى الأيام، وبينما كانت الأجواء مليئة بالتوترات والمصاعب، أقام رئيس بلدية غزة، رشدي بك الشوا، مأدبة غداء على شرف القيادة السعودية. كانت تلك المناسبة فرصة للكشف عن مفاجأة مذهلة: وجود خمسة آلاف سعودي يعيشون في غزة منذ عقود، يمارسون حياتهم ويساهمون في نسيج المجتمع الفلسطيني، حاملين معهم عبق التقاليد العربية الأصيلة وروح الأخوة والتضامن. هذه القصة ليست مجرد حكاية عن ضيافة ومأدبة، بل هي شهادة حية على الروابط العميقة التي تربط بين نجد وغزة، بين الشعبين الذين يتشاركون في الأمل والألم، في الكفاح والنضال. إنهم السعوديون الذين جاؤوا إلى فلسطين حاملين معهم رسائل المحبة والخير، ليصبحوا جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي الفلسطيني. في هذا السياق، نكتشف تفاصيل هذه العلاقات الممتدة وكيف أن هؤلاء الرجال، بشيوخهم وشبابهم، يساهمون في تعزيز روح الوحدة العربية والإسلامية، ويقفون جنبًا إلى جنب مع إخوانهم الفلسطينيين في وجه التحديات والصعاب من قصص الحرب _(الأستاذ شكيب الأموي) هل تعلم؟ أن في غزة خمسة آلاف سعودي! … في يوم من الأيام، أقام رئيس بلدية غزة رشدي بك الشوا مأدبة غداء على شرف القيادة السعودية، وكان يرأسها وكيل القائد عبد الله بك نامي وبعض إخواننا الضباط السعوديين. ذهبنا في الميعاد الموقوت إلى دار الرئيس، فوجدنا في استقبالنا و بانتظارنا سراة أهل غزة ووجهائها من آل الشوا وآل أبي رمضان وآل بسيسو وآل أبي شعبان، وزمرة من الشباب الطيب فيها. ووجدنا كذلك شيوخًا وشبانًا يلبسون الزي المألوف عندنا هذا، العباءة والفطرة والعقال والأثواب العربية الجميلة. فدهشنا للأمر، وهمسنا فيما بيننا أن هؤلاء قد يكونون قادمين حديثًا من البلاد السعودية لأمر ما، أو أنهم من جماعة أهل الجهاد الذين تركناهم يتأهبون في الرياض للزحف على فلسطين من طريق الحدود الشمالية. ولكن تمتمنا، وكيف لا تدري بهم قيادتنا. لم يطل حدسنا وتخميننا كثيرًا، فبعد أن استقر بنا المقام وجلس كل في مكانه من الصالون الواسع، أقبل علينا رشدي بك مبتسمًا يقول: لقد رغبت في جعلها مفاجأة لك يا سعادة القائد عبد الله بك ولزملائك وإخوانك السعوديين، فقد دعوت بعض وجهاء إخواننا السعوديين فلان وفلان وفلان، وذكر أسماء الجالسين. هؤلاء يعيشون بيننا منذ عشرات السنين، إنهم يعيشون في هذه المنطقة منذ سنين وسنين، ويترددون بين هذه المنطقة وبين نجد، فيأتوننا بما تحتاج هذه البلاد من نجد، ويأخذون إلى نجد ما يمكن توريده إليها من هنا. فهم رسل خير وتوادد ومحبة وسلام بيننا وبين طويل العمر وبين أبناء الجزيرة التي يحن إليها قلب كل عربي، ويعتقد أن فيها الخير كل الخير للعرب عامة والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. هؤلاء قد عاشوا وتجولوا في أنحاء فلسطين كلها، فما تغير من خلقهم ولا معاملتهم ولا سلوكهم الاجتماعي العربي الصميمي والإسلامي الحق شيء. حتى زيهم لم يغيروه أو يرضوا عنه بديلاً. هؤلاء كلما رأيناهم أنسنا بهم وعلمنا أن خير العرب هناك من سكن الجزيرة ومن نبت منها وهاجر للخير والرزق ونشر الفضيلة والمكارم والأمجاد العربية الحقة. هؤلاء إخوتنا، نحن منهم وهم منا. فأنتم بهم من جيران وإخوان ورسل مودة وصفاء… ثم قال: أتدرون كم عدد هؤلاء الإخوان في منطقة غزة فقط؟… ووسط هذا الجو الهادئ الذي تهللت فيه الوجوه استحسانًا واستلطافًا لهذه الكلمات المؤثرة والمثيرة، انبعثت من الأفواه كلمات الدعاء بطول العمر والبقاء للحامي الحرمين والمنقذ لفلسطين إن شاء الله… وسط هذا الجو المكهرب، رفع الأخ سعد بن سرحان عنقه وبهدوئه المعهود وبنبرته المتزنة قال: أأحزر أنا كم عددهم يا سعادة الرئيس؟ إن عددهم يربو على الخمسة آلاف! قال الرئيس: وكيف عرفت أنك كنت على شفتي… وأضاف مازحًا: لا شك أنك داري أو تجاهل مكار؟! ورئيس البلدية هذا من الشخصيات التي تشعر منذ أول مقابلة وكأنك تعرفه منذ أعوام وأعوام… قال أخونا سعد: لا يا سعادة الرئيس، لا هذا ولا ذاك. بل تذكرت يوم وصولنا بالذات لهذه البلدة الكريمة، حيث استقبلنا نخبة من الشباب الطيب من هذا البلد يرحبون بنا ويصفقون ويهللون. وبعد استراحة قصيرة من وعثاء السفر، صدف أن كان بجانبي أخوك هذا الأستاذ رشاد، فأفاض بكلمات كان لها أجمل الوقع في نفوسنا. فقد قال باقتضاب: إنكم عرب أقحاح وتحلون في بلد عربي لا يزال يحافظ على التقاليد العربية الموروثة كل المحافظة. وليست الكلمات في هذا الموقف المؤثر كافية للتعبير عن فرح كل عربي بقدومكم، ولكن نقول لكم باختصار وبصراحة عربية معروفة: هذه البلد بلدكم، وبيوتنا كلها بيوتكم، وليس لنا من الأمر شيء… اعتبرونا إخوانكم وخدام لكم. مرونا نطع. فأنتم أتون لإنقاذ الأرض والمال والعرض، فنحن نقدر هذا ولن ننساه، ولو كان هذا واجبكم كعرب. ولكن ثقوا أن كل شاب عربي مستعد، بل تواق، بل متهالك على حمل السلاح والدفاع عما أنتم آتون من أجل الدفاع عنه. نريد أن يكون التفاهم والانسجام تامًا كاملًا بين الجيوش القادمة وبين أهل البلاد، والتعاون بينهما وثيقًا، والعمل مشتركًا. فإذا لم تتوحد أغراضنا وأهدافنا وغاياتنا، كان العمل ضئيلاً محدودًا، والزمن المطلوب طويلاً. ولكن الزمن لا يرحم، إنه يخدم الخصم، وعلينا أن نتعاون جميعًا للقضاء بأقصر زمن على الخصم العنيد، وإلا كان الجهد المطلوب والقوى اللازمة أكثر فأكثر. ولا يغرنكم ما تسمعون من أي طرف يريد إيقاع الشقاق بين الصفوف العربية، فإننا نستطيع أن نتفاهم على أي نقطة أو خلاف قد ينشأ -لا سمح الله- بين أي فرد وآخر أو جماعة وأخرى، فنقضي بذلك على كل ما قد يفيد الخصم إذا تفككنا وانشقنا. فالخصم قد يستعمل كل وسيلة لإيجاد طابور خامس بيننا، فالبلاد لا تخلو من ضعاف الإيمان والضمائر، والمادة والانهزامية التي مني بها البلاد، حلت العزائم وأضعفت الروح المعنوية. والروح المعنوية عامل أساسي وهام لكسب النصر والتغلب على الخصم وقهره وطحنه إن شاء الله. فيجب استشارة كل همة وتحشيد كل قوى لكسب هذه المعركة التي تقرر مصير العرب لأجيال، لمئات السنين القادمة! نعم، يا قارئي الكريم! خمسة آلاف سعودي من رعايا جلالة الملك المعظم في قطاع غزة. توارد على مقر قيادتنا بعد ذلك التعارف مئات بل آلاف من شبابهم يعرضون أنفسهم للتطوع والتجنيد في الجيش السعودي. وقد قبل بالفعل منهم بين صفوفنا الكثيرون، وكنا على استمرار القتال واستمرار قبول المتطوعين. ولكن الهدنة! قاتل الله الهدنة!
رئيس بلدية غزة يكشف السر … في غزة خمسة آلاف سعودي!!
